توازن الكم والكيف- حكمة العصر في عالم الأرقام والأحلام
المؤلف: عبداللطيف آل الشيخ09.27.2025

في رَحَابَةِ الْكَوْنِ، حَيْثُ تَتَزَاوَجُ الْأَرْقَامُ بِالْأَحْلَامِ، وَيَتَنَازَعُ الْمَقَامُ مَعَ الْمَغْزَى، يَبْزُغُ نِدَاءُ الْمِيزَانِ كَهَمْسَةٍ مُلْهِمَةٍ تَدْعُو إِلَى التَّبَصُّرِ فِي وَهْدَةِ هَذَا الْعَصْرِ الصَّاخِبِ.
إِنَّهَا لَحْظَةُ تَوَازُنٍ دَقِيقَةٌ بَيْنَ قُدْرَةِ الْكَمِّ الْعَاتِيَةِ، الَّتِي تَأْبَى إِلَّا أَنْ تَحْكُمَ بِنَظْرَةٍ رَقْمِيَّةٍ مُجَرَّدَةٍ، وَحِكْمَةِ الْكَيْفِ الْعَتِيقَةِ، الَّتِي تَسْتَنْشِقُ الْأَعْمَاقَ وَتَسْكُنُ فِي صَمِيمِ الْجَوْهَرِ.
هُنَا، حَيْثُ يَتَلَاقَى الْجَبَرُوتُ بِالرِّقَّةِ، يَنْبَعِثُ سُؤَالُ الْوُجُودِ الْجَوْهَرِيُّ: هَلْ نَحْنُ نَعِيشُ لِنُحْصِيَ الْأَشْيَاءَ أَمْ لِنُدْرِكَ كُنْهَهَا وَحَقِيقَتَهَا؟
سُلْطَةُ الْكَمِّ: سِحْرُ الْأَرْقَامِ الْخَادِعُ وَوَهْمُهَا الْبَرَّاقُ
فِي زَمَنِنَا الْحَاضِرِ الْمُتَّسِمِ بِالرَّقْمَنَةِ، أَصْبَحَ الْكَمُّ مَعْبُودًا أَصَمَّ يَحْكُمُ بِقُوَّةِ الْإِحْصَائِيَّاتِ.
فَالْبَشَرُ يُقَاسُونَ بِمَقْدَارِ الْمُتَابِعِينَ لَهُمْ، وَالْفُنُونُ تُقَاسُ بِمَقْدَارِ الْمُشَاهَدَاتِ، وَحَتَّى الْحُبُّ نَفْسُهُ تَحَوَّلَ إِلَى «إِعْجَابٍ» يُجْمَعُ فِي حُقُولٍ رَقْمِيَّةٍ.
لَقَدِ اجْتَاحَتْ لُغَةُ الْأَرْقَامِ سَاحَاتِ الْحَيَاةِ كَافَّةً، وَسَحَقَتْ تَحْتَ وَطْأَةِ قَدَمَيْهَا تِلْكَ الْعَوَاطِفَ الْإِنْسَانِيَّةَ النَّابِضَةَ، الَّتِي لَا تَعْرِفُ سِوَى لُغَةِ الْأَحَاسِيسِ الصَّادِقَةِ.
وَفِي هَذَا الْمَقَامِ، يَتَحَوَّلُ الْإِنْسَانُ إِلَى مُجَرَّدِ مُعْطَيَاتٍ فِي قَوَائِمَ حَاسُوبِيَّةٍ، وَيُخْتَزَلُ الْفِكْرُ إِلَى خُطُوطٍ رَقْمِيَّةٍ تَسْعَى لِبِنَاءِ صَرْحٍ شَامِخٍ عَلَى غِرَارِ رِمَالِ الْعَدَمِ.
وَلَكِنْ، هَلْ يُمْكِنُ لِلْأَرْقَامِ حَقًّا أَنْ تَرِيَ قِصَّةَ الْقَمَرِ حِينَمَا يَلْتَقِي الْمُحِيطَ؟
أَوَ تَقْدِرُ الْأَرْقَامُ أَنْ تُحَدِّدَ وَزْنَ دَمْعَةٍ تَنْهَمِرُ مِنْ عُيُونِ مُحِبٍّ؟
إِنَّ سُلْطَةَ الْكَمِّ، وَإِنْ أَظْهَرَتْ قُدْرَتُهَا الطَّاغِيَةَ، سَتَظَلُّ عَاجِزَةً عَنْ حَلِّ أَلْغَازِ الْكَيْفِ، فَالْجَمَالُ لَا يَنْحَصِرُ فِي مِسَاحَةِ نُقْطَةٍ ضَوْئِيَّةٍ صَغِيرَةٍ، وَالْحِكْمَةُ لَا تُقَيَّدُ بِجِهَازِ حَاسُوبٍ.
وَفِي مُقَابِلِ هَذَا الطُّغْيَانِ، تَنْهَضُ حِكْمَةُ الْكَيْفِ كَطَائِرٍ مُحَلِّقٍ يَقُودُ لِحِمَايَةِ سِرِّ الْحَيَاةِ. فَالْكَيْفُ لَيْسَ رَقْمًا يُضَافُ، وَلَكِنَّهُ عُمْقٌ يُسَاكِنُ الْأَرْوَاحَ وَيَسْتَقِرُّ بِدَاخِلِهَا.
إِنَّهُ تِلْكَ اللَّمْحَةُ الَّتِي تَخْتَلِجُ بِهَا الْقُلُوبُ عِنْدَمَا تَتَبِيَّنُ الْمَعْنَى الْخَفِيَ، أَوْ تِلْكَ الْإِشَارَةُ الْبَاقِيَةُ الَّتِي تَرَكَتْهَا قِطْعَةُ فُنُونٍ تَجْتَازُ الدُّهُورَ.
هُنَا، فِي عَالَمِ الْكَيْفِ لَا يَهُمُّ كَمْ عِشْتَ، وَإِنَّمَا كَيْفَ قَضَيْتَ حَيَاتَكَ.
لَا يَهُمُّ كَمْ أَخَذْتَ، وَإِنَّمَا كَمْ بَذَلْتَ وَأَعْطَيْتَ.
فَكَيْفَ نُصْلِحُ مَا أَفْسَدَتْهُ سُلْطَةُ الْكَمِّ الْجَارِفَةُ؟ وَكَيْفَ نَرْتَقِي بِنَبْضِ الْكَيْفِ الْجَذَّابِ فِي زَمَنٍ يَنْفُرُ مِنَ التَّرَوِّي وَالتَّأَنِّي؟
الْجَوَابُ يَكْمُنُ فِي إِعَادَةِ التَّوَازُنِ الْمَفْقُودِ، فَالْحَيَاةُ لَيْسَتْ مُعَادَلَةً رِيَاضِيَّةً بَحْتَةً، وَإِنَّمَا هِيَ قَصِيدَةٌ جَمِيلَةٌ تَجْمَعُ بَيْنَ الْإِضْفَاءِ عَلَى الْكَلَامِ إِيقَاعًا وَبَيْنَ الْمَعْنَى الْجَلِيلِ.
عَلَيْنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ كَيْفَ نُحْصِي الْأَرْقَامَ بِحِرْصٍ دُونَ أَنْ نَخْسَرَ الْأَمَانِيَ وَالطُّمُوحَاتِ، وَأَنْ نَسْتَخْدِمَ التِّقْنِيَاتِ بِحِكْمَةٍ دُونَ أَنْ نَخْنُقَ الْإِنْسَانِيَّةَ فِي ذَاتِنَا.
لْنُخَاطِبِ الْعَالَمَ بِلُغَةٍ مُتَمَيِّزَةٍ: لُغَةِ الْعُقُولِ وَلُغَةِ الْقُلُوبِ، فَالْمَثَلُ هُنَا كَمَثَلِ تَاجِرٍ يَحْمِلُ مِيزَانًا إِحْدَى كِفَّتَيْهِ تَمْتَلِئُ بِحِبْرِ الْأَرْقَامِ، وَالْأُخْرَى بِرِقَاعِ التَّسَاؤُلَاتِ الْعَمِيقَةِ.
فَإِذَا اسْتَقَامَ الْمِيزَانُ، سَيَتَّضِحُ لَنَا أَنَّ الْحَقِيقَةَ لَيْسَتْ فِي الْكَمِّ وَلَا فِي الْكَيْفِ، وَإِنَّمَا فِي وِئَامِهِمَا وَتَوَافُقِهِمَا، فَالْكَمُّ يَمْنَحُنَا الْوُجُودَ، وَالْكَيْفُ يَرْفِدُنَا بِالْمُبَرِّرِ لِهَذَا الْوُجُودِ.
لَنْ يَنْفَرِجَ غِمَامُ الصِّرَاعِ بَيْنَ سُلْطَةِ الْكَمِّ وَحِكْمَةِ الْكَيْفِ، فَهُمَا فِي صِرَاعٍ عَتِيقٍ بَيْنَ مَادَّةِ الْأَرْضِ وَفَسِيحِ السَّمَاءِ.
وَلَكِنَّ الْعَاقِلَ مَنْ يُدْرِكُ أَنَّ الْحَيَاةَ الْحَقِيقِيَّةَ تَبْدَأُ حَيْثُ تَنْقَضِي الْأَرْقَامُ، وَأَنَّ الْمَرْءَ لَيْسَ رَقْمًا فِي قَائِمَةٍ، بَلْ قِصَّةٌ تُسَطَّرُ بِحِبْرٍ لَا يَزُولُ بِعُمْقٍ يَفُوقُ الْزَّمَانَ، وَبِجَمَالٍ يَسْكُبُ فِي الْوُجُودِ غَرَامًا لَا يَخْبُو.
إِنَّهَا لَحْظَةُ تَوَازُنٍ دَقِيقَةٌ بَيْنَ قُدْرَةِ الْكَمِّ الْعَاتِيَةِ، الَّتِي تَأْبَى إِلَّا أَنْ تَحْكُمَ بِنَظْرَةٍ رَقْمِيَّةٍ مُجَرَّدَةٍ، وَحِكْمَةِ الْكَيْفِ الْعَتِيقَةِ، الَّتِي تَسْتَنْشِقُ الْأَعْمَاقَ وَتَسْكُنُ فِي صَمِيمِ الْجَوْهَرِ.
هُنَا، حَيْثُ يَتَلَاقَى الْجَبَرُوتُ بِالرِّقَّةِ، يَنْبَعِثُ سُؤَالُ الْوُجُودِ الْجَوْهَرِيُّ: هَلْ نَحْنُ نَعِيشُ لِنُحْصِيَ الْأَشْيَاءَ أَمْ لِنُدْرِكَ كُنْهَهَا وَحَقِيقَتَهَا؟
سُلْطَةُ الْكَمِّ: سِحْرُ الْأَرْقَامِ الْخَادِعُ وَوَهْمُهَا الْبَرَّاقُ
فِي زَمَنِنَا الْحَاضِرِ الْمُتَّسِمِ بِالرَّقْمَنَةِ، أَصْبَحَ الْكَمُّ مَعْبُودًا أَصَمَّ يَحْكُمُ بِقُوَّةِ الْإِحْصَائِيَّاتِ.
فَالْبَشَرُ يُقَاسُونَ بِمَقْدَارِ الْمُتَابِعِينَ لَهُمْ، وَالْفُنُونُ تُقَاسُ بِمَقْدَارِ الْمُشَاهَدَاتِ، وَحَتَّى الْحُبُّ نَفْسُهُ تَحَوَّلَ إِلَى «إِعْجَابٍ» يُجْمَعُ فِي حُقُولٍ رَقْمِيَّةٍ.
لَقَدِ اجْتَاحَتْ لُغَةُ الْأَرْقَامِ سَاحَاتِ الْحَيَاةِ كَافَّةً، وَسَحَقَتْ تَحْتَ وَطْأَةِ قَدَمَيْهَا تِلْكَ الْعَوَاطِفَ الْإِنْسَانِيَّةَ النَّابِضَةَ، الَّتِي لَا تَعْرِفُ سِوَى لُغَةِ الْأَحَاسِيسِ الصَّادِقَةِ.
وَفِي هَذَا الْمَقَامِ، يَتَحَوَّلُ الْإِنْسَانُ إِلَى مُجَرَّدِ مُعْطَيَاتٍ فِي قَوَائِمَ حَاسُوبِيَّةٍ، وَيُخْتَزَلُ الْفِكْرُ إِلَى خُطُوطٍ رَقْمِيَّةٍ تَسْعَى لِبِنَاءِ صَرْحٍ شَامِخٍ عَلَى غِرَارِ رِمَالِ الْعَدَمِ.
وَلَكِنْ، هَلْ يُمْكِنُ لِلْأَرْقَامِ حَقًّا أَنْ تَرِيَ قِصَّةَ الْقَمَرِ حِينَمَا يَلْتَقِي الْمُحِيطَ؟
أَوَ تَقْدِرُ الْأَرْقَامُ أَنْ تُحَدِّدَ وَزْنَ دَمْعَةٍ تَنْهَمِرُ مِنْ عُيُونِ مُحِبٍّ؟
إِنَّ سُلْطَةَ الْكَمِّ، وَإِنْ أَظْهَرَتْ قُدْرَتُهَا الطَّاغِيَةَ، سَتَظَلُّ عَاجِزَةً عَنْ حَلِّ أَلْغَازِ الْكَيْفِ، فَالْجَمَالُ لَا يَنْحَصِرُ فِي مِسَاحَةِ نُقْطَةٍ ضَوْئِيَّةٍ صَغِيرَةٍ، وَالْحِكْمَةُ لَا تُقَيَّدُ بِجِهَازِ حَاسُوبٍ.
وَفِي مُقَابِلِ هَذَا الطُّغْيَانِ، تَنْهَضُ حِكْمَةُ الْكَيْفِ كَطَائِرٍ مُحَلِّقٍ يَقُودُ لِحِمَايَةِ سِرِّ الْحَيَاةِ. فَالْكَيْفُ لَيْسَ رَقْمًا يُضَافُ، وَلَكِنَّهُ عُمْقٌ يُسَاكِنُ الْأَرْوَاحَ وَيَسْتَقِرُّ بِدَاخِلِهَا.
إِنَّهُ تِلْكَ اللَّمْحَةُ الَّتِي تَخْتَلِجُ بِهَا الْقُلُوبُ عِنْدَمَا تَتَبِيَّنُ الْمَعْنَى الْخَفِيَ، أَوْ تِلْكَ الْإِشَارَةُ الْبَاقِيَةُ الَّتِي تَرَكَتْهَا قِطْعَةُ فُنُونٍ تَجْتَازُ الدُّهُورَ.
هُنَا، فِي عَالَمِ الْكَيْفِ لَا يَهُمُّ كَمْ عِشْتَ، وَإِنَّمَا كَيْفَ قَضَيْتَ حَيَاتَكَ.
لَا يَهُمُّ كَمْ أَخَذْتَ، وَإِنَّمَا كَمْ بَذَلْتَ وَأَعْطَيْتَ.
فَكَيْفَ نُصْلِحُ مَا أَفْسَدَتْهُ سُلْطَةُ الْكَمِّ الْجَارِفَةُ؟ وَكَيْفَ نَرْتَقِي بِنَبْضِ الْكَيْفِ الْجَذَّابِ فِي زَمَنٍ يَنْفُرُ مِنَ التَّرَوِّي وَالتَّأَنِّي؟
الْجَوَابُ يَكْمُنُ فِي إِعَادَةِ التَّوَازُنِ الْمَفْقُودِ، فَالْحَيَاةُ لَيْسَتْ مُعَادَلَةً رِيَاضِيَّةً بَحْتَةً، وَإِنَّمَا هِيَ قَصِيدَةٌ جَمِيلَةٌ تَجْمَعُ بَيْنَ الْإِضْفَاءِ عَلَى الْكَلَامِ إِيقَاعًا وَبَيْنَ الْمَعْنَى الْجَلِيلِ.
عَلَيْنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ كَيْفَ نُحْصِي الْأَرْقَامَ بِحِرْصٍ دُونَ أَنْ نَخْسَرَ الْأَمَانِيَ وَالطُّمُوحَاتِ، وَأَنْ نَسْتَخْدِمَ التِّقْنِيَاتِ بِحِكْمَةٍ دُونَ أَنْ نَخْنُقَ الْإِنْسَانِيَّةَ فِي ذَاتِنَا.
لْنُخَاطِبِ الْعَالَمَ بِلُغَةٍ مُتَمَيِّزَةٍ: لُغَةِ الْعُقُولِ وَلُغَةِ الْقُلُوبِ، فَالْمَثَلُ هُنَا كَمَثَلِ تَاجِرٍ يَحْمِلُ مِيزَانًا إِحْدَى كِفَّتَيْهِ تَمْتَلِئُ بِحِبْرِ الْأَرْقَامِ، وَالْأُخْرَى بِرِقَاعِ التَّسَاؤُلَاتِ الْعَمِيقَةِ.
فَإِذَا اسْتَقَامَ الْمِيزَانُ، سَيَتَّضِحُ لَنَا أَنَّ الْحَقِيقَةَ لَيْسَتْ فِي الْكَمِّ وَلَا فِي الْكَيْفِ، وَإِنَّمَا فِي وِئَامِهِمَا وَتَوَافُقِهِمَا، فَالْكَمُّ يَمْنَحُنَا الْوُجُودَ، وَالْكَيْفُ يَرْفِدُنَا بِالْمُبَرِّرِ لِهَذَا الْوُجُودِ.
لَنْ يَنْفَرِجَ غِمَامُ الصِّرَاعِ بَيْنَ سُلْطَةِ الْكَمِّ وَحِكْمَةِ الْكَيْفِ، فَهُمَا فِي صِرَاعٍ عَتِيقٍ بَيْنَ مَادَّةِ الْأَرْضِ وَفَسِيحِ السَّمَاءِ.
وَلَكِنَّ الْعَاقِلَ مَنْ يُدْرِكُ أَنَّ الْحَيَاةَ الْحَقِيقِيَّةَ تَبْدَأُ حَيْثُ تَنْقَضِي الْأَرْقَامُ، وَأَنَّ الْمَرْءَ لَيْسَ رَقْمًا فِي قَائِمَةٍ، بَلْ قِصَّةٌ تُسَطَّرُ بِحِبْرٍ لَا يَزُولُ بِعُمْقٍ يَفُوقُ الْزَّمَانَ، وَبِجَمَالٍ يَسْكُبُ فِي الْوُجُودِ غَرَامًا لَا يَخْبُو.